الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية في موسم الهجرة الى لامبادوزا: مهاجرون ضحايا التحيل ومامادو فقد 10 الاف دينار بعد سنوات من الشقاء

نشر في  24 أكتوبر 2021  (16:19)

للحظات استرجع "مامادو"، اسم مستعار، شريط حياته الى غاية اليوم الذي خسر فيه 10 الاف دينار بعد أربع سنوات من أعمال شاقة بين جمع الزيتون والبناء والعمل في المنازل... والتقشف حتى يتمكن من مغادرة تونس نحو أوروبا عله يضمن حياة كريمة لعائلته.

مامادو مواطن من الكوديفوار ساقته اكراهات الحياة الى ليبيا حيث عاش مع زوجته وأجبره ظلم الاشخاص الذين يتعقبون افريقيي جنوب الصحراء على مغادرتها سرا لينتهي به المطاف وزوجته في تونس "بلد الأمان" كما هو متعارف عليه "هنا على الأقل نعيش دون رعب من الموت بالسلاح" وفق تعبيره.

ككل مهاجر غير نظامي، يعيش محدثنا ظروفا صعبة بعد أن تعرض الى التحيل من قبل عائلة تونسية مقيمة في جرجيس أخذت منه مبلغ 10 الاف دينار مقابل تنظيم هجرة نحو اوروبا انطلاقا من سواحل الجهة.

تعود الواقعة الى أكتوبر 2020، حيث كانت زوجته تشتغل عاملة بمقهى بالمدينة أين تعرفت على احد العملة، س. الذي أقنعها أنّ قريبه ينظم رحلات غير نظامية "كلها ناجحة" وفق كلامه.

ونظرا للظروف الصعبة التي عاشها "مامادو" فترة انتشار جائحة الكورونا، كان الحل الأنجع هو المجازفة والموافقة حتى يتمكن وزوجته من اعالة طفليهما -ولدا في تونس وحاليا عمرهما ثلاث سنوات وخمس سنوات- ويوفرا لهما حياة كريمة تُضمن فيها حقوقهما المدنية من صحة وأكل ودراسة.

وقال محدثنا إنه بعد فترة من التفكير، وافق على عرض العامل الذي تولى تقديمه لمنظم الرحلة مضيفا أنه في فترة التنسيق للعملية كان المنظم يتردد عليه في منزله، حيث طلب منه اول مرة مبلغ ألفي دينار لحجز مكانه وزوجته بالمركب ثم عاد اليه مجددا وطلب مبلغ 3 الاف دينار لاقتناء محرك للمركب وبعدها مبلغ 5 الاف دينار لايصالهما الى شاطئ لامبادوزا بسلام.

وأضاف "مامادو"، وهو يعيد سرد القصة بمزيج من الالم والوجع، "اخذ كل ما نملك، المبلغ وحتى مصروف قوتنا في ايطاليا 2500 اورو أخذه وافتك منا الهواتف والملابس، مؤلم فعلا هذا الاستغلال".

وكان منظم الرحلة قد أعد سيناريو متكاملا نفذه على مراحل قصد التحيّل، إذ كانت البداية بأخذ محدثنا وعائلته الى البحر في ساعة متأخرة من ليلة خريفية في اواخر شهر أكتوبر، وهناك كانت المفاجأة، قائلا "لن أنسى المشهد بتاتا، كان المركب غير مجهز بمحرك بخاري ولم يكن القارب محملا بالكمية المطلوبة من المحروقات كما أنه كان يصدر أصواتا مخيفة تؤكد استحالة الخروج به في البحر، لست مستعدا للتضحية بعائلتي ورميها للموت بيدي".

وفي ظلّ عدم جاهزية المركب وحالة الفوضى التي كان عليها المنظم وشركاؤه تراجع " مامادو" عن قراره ورفض المجازفة ليكتشف لاحقا أن كل ما قام به هؤلاء الأشخاص لا يعدو أن يكون الا فيلما من وحي الخيال لادخال الرعب في قلبه واجباره على العدول عن الرحلة.

وأكد المتضرر، أنه توجه ليلة بطلان الرحلة توجه الى منزل المنظم أين أقام وعائلته لثلاثة أيام وهناك كان يتواصل معه عن طريق زوجته لاتقانها اللغة الفرنسية. وفي فترة الاقامة، أضاف الشاب الايفواري، أن المنظم كان يستدعي شخصا اخرا انتحل صفة ربان المركب وبقي في كل زيارة يؤكد له أن التأخير في المغادرة يعود الى سوء الاحوال الجوية.

"عدت الى الصفر، لا حقوق ولا قانون منصف"، هكذا ختم حواره معنا بلوعة، فالى جانب التحيل ف "مامادو" لم يجد وسيلة تعيد له حقه فهو يعيش في جرجيس دون وثائق والخوف من التقدم بشكاية الى الأمن قد يجعل منه متهما وبالتالي يقضي سنواته في السجن.

المهاجرون فريسة ثمينة للمتحيلين

العشرات من المهاجرين غير النظاميين ممن يسكنون بتونس العاصمة او الذين يأتون الى جرجيس وبن قردان وصفاقس، وقعوا ضحايا تحيل عدد من التونسيين ممن ينتحلون صفة منظمي رحلات ويعملون في إطار شبكات صغيرة عجز الأمن عن الايقاع بهم.

وضعيات عدة كان موقع أخبار الجمهورية تحدث مع اصحابها فمنهم من تعرض للاعتداء بالعنف من قبل التونسيين واخرون وجدوا أنفسهم في وضعية اتهام لاقتحام منزل ومحاولة الاعتداء بالعنف في حين ان توجههم الى احد المنازل هو ردة فعل طبيعية بعد ان سرقت منهم أموالهم التي ادخروها لسنوات حرموا خلالها من الاكل واللباس لجمع ثمن رحلة الى ايطاليا.

ونستحضر ابرز حادثة وقعت في بداية شهر أكتوبر وهو ايقاف افريقي بتهمة التهجم على منزل قريب من مبيت اقامته في حين أن روايات أخرى أكدت أن السبب مردّه فقط المطالبة بمبلغ مالي كان قدمه مقابل رحلة غير نظامية.

وتسببت هذه الحادثة في احتجاجات من سكان الجهة انتهت بغلق المبيت نهائيا وتمكين المقيمين فيه وعددهم 120 شخصا على الأقل من السكن في منازل متفرقة على وجه الكراء.

مسؤولية مُغيّبة مشتركة بين المجتمع المدني والأمن والقضاء

وإن اجتهد الأمنيون بمنطقة الأمن الوطني في فك رموز بعض القضايا ونجحوا في ايقاف عدد من المنظمين اخرهم خلال الأسبوع الجاري، غير انهم لم يفلحوا في استرجاع حقوق هذه الفئة المستضعفة كما أن غياب الاجتهاد لتعميق الأبحاث يعد سببا اخرا في ضياع حقوق المتقاضين او الخائفين.

هذا التعامل يعود الى غياب التشريعات القانونية التي تستوجب خلال فتح محضر مراعاة جوانب عدة للمهاجر المتضرر من ذلك عدم قدرته على توفير الادلة واقتصار البحث على سماع الأقوال وفي النهاية استشارة النيابة العمومية ليكون المتضرر متهما في نظر القانون.

وفي لقاء وقع التنسيق له مسبقا، أكد عدد من المتضررين أن بعضهم تقدم بشكاية لدى الأمن والى اليوم لا يعلمون شيئا عن مدى تقدم مسار ملفاتهم كما ان بعضهم لم يفلح في اثبات تعرضهم للتحيل لعدم درايتهم بمسار ذلك أما البقية فقد أجمعوا على أنهم يخافون التوجه إلى مراكز الأمن خوفا من ان ينقلب الموضوع عليهم وبالتالي يتحولون الى متهمين في نظر اعوان الأمن والقضاء لاحقا، " نحن لا نعلم شيئا عن آليات التقاضي ولكن نظن أن هذا دور الامن الذي يدرك جيدا تفاصيل حياتنا هنا وكان بامكانه الاجتهاد لاثبات صحة ادعاءاتنا وبالتالي استرجاع حقوقنا التي جمعناها بعد سنوات من الشقاء والظلم والاستعبد أحيانا".

قد يكون رجل الأمن هو المعني بضمان حقوق المتضررين ولكن يبقى دور القضاء منقوصا طالما انه يعتمد فقط على ما يرد في المحضر دون اجتهاد منه خاصة أن أغلب القضاة تلقوا عدة دورات تكوينية لتطوير شكل تعاطيهم مع قضايا المهاجرين.

والى جانب هذين الهيكلين الرئيسيين، عديدة هي الاسئلة التي تطرح بخصوص دور المجتمع المدني والمنظمات الدولية في ظل تنامي ظاهرة التحيّل على المهاجرين دون التوقف عندها لتفكيكها ومقاومتها مع المجالس المحلية للامن لانهاء هذا النزيف الذي يتمعش من شقاء المهاجرين.

هي قصة من بين مئات القصص المخفية في حياة المهاجرين غير النظامين الذين يعدّون الحلقة الأضعف في تونس، فئة تعيش نظريا بيننا ولكن في عمق هذا المجتمع هي ضحية.

نعيمة خليصة